Saturday 29 July 2017

Dr Yacoub BUNNI
الدكتور يعقوب بنّي
من أطباء البصرة الرواد
بقلم الدكتور غانم يونس الشيخ


ولد لدكتور يعقوب بنّي في مدينة العمارة عام 1913 وتخرج من كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1935 وهي من أقدم الجامعات بالمنطقة حيث أسست عام 1867.


وعملَ الدكتور بني بعد تخرجه اولاُ في مسقط رأسه في مدينة العمارة ومن ثم أنتقل للعمل في الصرة التي توفي فيها بتأريخ 28 نيسان 1983 رحمه الله. كان الدكتور يعقوب بمثابة الأب الحنون للفقراء والمعوزين الذين يراجعوه في عيادته فكان له اسلوباً متفرداً في تعامله مع مرضاه حيث لم يكن فقط يعفيهم من أجرة الفحص وإنما كان يعطي الفقراء منهم من جيبه الخاص ما يكفيهم لشراء الدواء ولشراء سكايرهم وكذلك دفع اجرة السيارة التي تقلهم راجعين الى قراهم وهم يأتون الى البصرة لمراجعته منذ الصباح وإن أطبق الليل عليهم كان يدخلهم الردهة الباطنية الثامنة في المينسفى الجمهوري للعلاج والمبيت وكان اكثرهم ينادونه ب: "يعكوب" دون لقب وبميانة ومودة. يصف الدكتور فلاح الجواهري أمسية يوم قضاه في عمله ويدور حول الردهة الباطنية الثامنة كما عايشها في الستينات وكنتُ وأنا أقرأ ذلك أشعر بالمشهد يعود عرضه وأجدُ نفسي في الوصف لأني عملتُ ثلاثة أشهر في تلك الردهة بعده بسنوات: يقول د فلاح: "اليوم هو الاربعاء.. ردهة الدكتور يعقوب بني للامراض الباطنية هي الخافرة. شحاذو البصرة وجياعها يتوافدون باعداد غير قليلة آملين عبر مظاهر الامراض المزمنة التي يعانونها عدا مرض جوعهم الازلي أن يسعفهم المرض وطبيب العيادة الخارجية الخافر في دخول ردهة النعيم الموقت ردهة الدكتور يعقوب بني. هولاء الجياع مرضى كانوا أم متمارضين يعرفون تمام المعرفة طيبة الدكتور يعقوب اللامتناهية هذا الانسان العظيم واسع العلم والنبل. عيادته متاحة مجاناً لفقراء البصرة وشحاذيها، وردهته تحظى برعاية لهم لا مثيل لها حتى عند الاطباء الاختصاصيين الآخرين البارعين في اختصاصاتهم ورعايتهم." ويكمل الدكتور فلاح وصفه المذهل الصادق: " سيحظى عبد عون الشحاذ المترهل المتوزم الذي اراه في مكانه الثابت من جسر سوق المغايز سيحظى ولأيام على الاقل بمكان للنوم غير رصيف الجسر الاسفلتي وبسرير مريح بأغطية نظيفة وإفطار بعد زوال الخطر عند الصباح: قطعة من الجبن ومربى المشمش وقطعة من الزبدة ورغيفا من الخبز وقدحا من الشاي بالحليب... يطلب عبد عون مزيداً فلا ترد ممرضة الردهة طلبه.. ينعم بابتسامة الدكتور يعقوب وكلمته الطيبة اثناء الفحص الصباحي ثم يأتي الغداء بصحن الشوربة ومرق ورز وخبز.. وفي المساء سينعم بوجبة عشاء دافئة" وأكمل لمقالة الدكتور فلاح الرائعة ما كنتُ أشهده بعد أربع سنوات من ذلك فأقول "يقوم الدكتور يعقوب بالتأشير على الطبلة بإخراج أحدهم بعد قضاء فترة "النقاهة" وأنا مغتاضٌ مما يجري وما أن تعدى ركب الدكتور بني سرير المريض حتى صاح المريض بنا: يعكوب...يعكوب..فألتفتُ اليه فلا يعيرني أهتمامَه لعلمه بأن الدكتور بني سيعود الى قرب سريره ويميل عليه ليسمع ماذا يريد فأسترق السمع إنه يبدو يطلب "كروة سيارة" لتأخذه الى قريته فيعطيه الدكتور بني من جيبه ويبتعد... ينظر المريض الى ما في يديه ويصيح مرة أخرى "يعكووووب ...أشو ماكو فلوس الجكاير هالمرة" فيعطيه ما طلب مرة أخرى ويراني مغتاضاً جداً فيقول لي بدون أن أتكلم: "غنومي...خطية منو يداريهم هذولي ومنو يعالج أمراضه وأشلون يروح لبيته؟" نعم حقوق الشحاذين والجياع والهومليس محفوظة لدى كل مقيمي الردهة 8 وبضمنه عدة أيام من جنة الشبع ونعيم الراحة والتعامل الانساني محفوظة لدى الدكتور العظيم يعقوب بني في ردهته. 

 كان الدكنور بني أنسانا إجتماعياً ومن أمهر الناس في حل الكلمات المتقاطعة وكنت أرافقه بين الباطنية 8 الى الجناح الخاص ومن ثم الى الأدارة في نهاية دوام كل يوم حيث كان يقف على طول الطريق ليلبي طلبات العديد من المنتسبين لحل كلمات متقاطعة إستعصى حلها على ممرضات ومرضى وكان يحل ما استعصى عليهم لأيام يحلها بثوانٍ معدودات. و إضافة الى خبرته الطويلة فإن الدكتور بني يمتلك فطنة مذهلة في التشخيص حيث كان أيام خفارة الردهة ينظر من شباك غرفته ويقول لنا إستعدوا أعتقد السدية تحمل مصاب بالجلطة وكان دائما على صواب. ويهتم أيضاً بأي جهد علمي فقد صادف وراجعنا أحد المرضى وقمت بمساعدة المقيم الأقدم وكان أسمه على ما أذكر "خزعل .....ولازال يعمل في العمارة" وعملنا له تحليلات معقدة غير روتينية لفحص مادة الكولاجين كنا قد بحثنا عنها في المجلات الطبية الموجودة في مكتبة كلية الطب الناشئة (وكان عمرها ثلاث سنوات) وذهبنا بأنفسنا الى المختبر لأجراء الفحص وتوصلنا الى تشخيص مرض "مارفان" النادر  وعندما أطلعنا الدكتور بني على النتائج قام بإبلاغ الإدارة عن جهدنا وقدمنا كباحثين مفتخراً أيناء الأجتماع الأسبوعي الذي كان يعقد في قاعة داخل مبنى رئاسة الصحة الجديد الذي بني على يسار مدخل المستشفى الجمهوري ووصلنا كذلك شكر من مدير المستشفى الدكتور داود الثامري وقتها. ومن عظيم فرحي وأنا أعد هذه النبذة الموجزة أن أجد الآن عددا من الأطباء مجتمعين في تلك القاعة ذاتها (أو ربما مشابهة لها) في مستشفى البصرة العام كما يسمى الآن المستشفى الجمهوري (سابقا) وقد أصبحت القاعة تحمل أسم "قاعة الدكتور يعقوب بني" 

No comments: